ردت إسرائيل على التصعيد السياسي والإعلامي التركي بمحاولة للتهدئة والدعوة لإصلاح العلاقات، في حين أبدت أنقرة غضبا على رفض إسرائيل الاعتذار عن قتل تسعة مواطنين أتراك عام 2010، واعتبرت أن تقرير لجنة بالمر الأممية بشأن الاعتداء على أسطول الحرية "كأنه غير موجود".

وقال مسؤول حكومي إسرائيلي اليوم الجمعة إن إسرائيل تأمل في إصلاح العلاقات مع تركيا بعد أن طردت أنقرة السفير الإسرائيلي وعلقت الاتفاقات العسكرية مع إسرائيل.

وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قال في وقت سابق اليوم الجمعة خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة، إن بلاده قررت طرد السفير الإسرائيلي وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل إلى مستوى السكرتير الثاني، كما قررت تعليق اتفاقاتها العسكرية مع إسرائيل، وذلك على خلفية رفض الأخيرة الاعتذار عن مداهمتها العام الماضي أسطول الحرية وقتل تسعة أتراك على متن السفينة مرمرة، مشيرا إلى أن السفير الإسرائيلي سيغادر يوم الأربعاء على أقصى حد.

واعتبر أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن موقفها، قائلا "حان الوقت كي تدفع إسرائيل الثمن". وأشار إلى أن أنقرة لن تتراجع حتى تلبي إسرائيل مطالبها لحل أزمة أسطول الحرية، وأن تركيا لا تعترف بشرعية الحصار الإسرائيلي لغزة.

وتأتي هذه التصريحات عقب نشر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية على موقعها الإلكتروني تقريرا أعدته لجنة شكلتها الأمم المتحدة برئاسة رئيس وزراء نيوزيلندا السابق جيفري بالمر للتحقيق في ظروف الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية العام الماضي ومقتل 9 متضامنين أتراك، وقد اعتبر التقرير أن حصار إسرائيل البحري لقطاع غزة قانوني، كما اعترف بأن الجيش الإسرائيلي استعمل "القوة المفرطة واللامنطقية" في تعاطيه مع أسطول الحرية.


خطوة أولى
وعن القرارات التي أعلنها أوغلو، قال الرئيس التركي عبد الله غل إن تصريحات وزير خارجيته بهذا الشأن تعبّر عن موقف الدولة التركية.

وقال غل "في الواقع، جرى اتخاذ تلك التدابير في وقت سابق، ولكن في محاولة لمنح فرصة للجهود الحميدة لبعض الدول الحليفة، انتظرنا حتى اليوم".

وأضاف "ربما لم تستطع دوائر بعينها أن تفهم إصرار دولتنا على حماية حقوق مواطنينا دوما. وتمثل التدابير التي أعلنت اليوم الخطوة الأولى. يمكن اتخاذ المزيد من التدابير مستقبلا وفقا لتطورات الأحداث وموقف إسرائيل".

وقال إن الحكومة الإسرائيلية تفتقد أي مصداقية أو إستراتيجية. وأوضح أن بلاده تريد السلام والاستقرار في المنطقة، وأنه من أجل تحقيق هذا الهدف يتعين على إسرائيل أن تتخذ خطوات.

وردا على سؤال بشأن عدم إشارة تقرير بالمر إلى تقديم اعتذار إلى تركيا، قال غل "مثل هذا التقرير ليس له وجود بالنسبة لنا".

يذكر أن تركيا سحبت سفيرها من إسرائيل مباشرة بعد عملية مداهمة أسطول الحرية العام الماضي.


إسرائيل تأسف
وردا على القرار التركي، قال بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل "تعرب مرة أخرى عن أسفها عن حالات القتلى التي وقعت على السفينة لكنها لن تعتذر عن ذلك".

وأكد البيان أهمية العلاقات التاريخية ماضيا وحاضرا بين الشعب التركي وإسرائيل، وأضاف "على ضوء ذلك قامت إسرائيل بمحاولات عديدة خلال الأشهر الأخيرة لتسوية الخلاف بين البلدين ولكن للأسف الشديد لم تتكلل هذه المحاولات بالنجاح".

وأوضح البيان أن "إسرائيل تأمل أن يتم إيجاد طريق للتغلب على هذا الخلاف وتؤكد تصميمها على مواصلة الجهود الرامية إلى ذلك". وقال البيان إن "السفير الإسرائيلي في تركيا أنهى ولايته قبل عدة أيام وفارق زملاءه الأتراك، وكان ينوي العودة إلى إسرائيل خلال الأيام القريبة على أي حال".

وعن التقرير الأممي، قال البيان "إن إسرائيل تتبنى تقرير لجنة بالمر الخاص بالسفينة مرمرة مع تحفظات".

وأشار البيان إلى أن "هذا التقرير الذي تبناه الأمين العام للأمم المتحدة يعد وثيقة مهنية وجدية ومعمقة تتطرق إلى أحداث القافلة البحرية (أسطول الحرية) يوم 31 مايو/أيار 2010".

وكان مسؤول إسرائيلي رفيع قال في وقت سابق اليوم إن بلاده ستقبل التقرير الأممي مع بعض التحفظات. وأضاف المسؤول دون الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية "سنعلن قبولنا للتقرير بعد نشره رسميا، مع بعض التحفظات"، مشيرا إلى أن التقرير يعترف بقانونية الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.

وقال المسؤول الإسرائيلي "يظهر التقرير أن الحصار البحري في حد ذاته وتطبيقه يتماشيان مع القانون الدولي".

وكان التقرير الدولي قد أشار إلى أن "الحصار البحري جاء كإجراء أمني مشروع بهدف منع دخول الأسلحة إلى غزة بحرا، وتطبيقه يتماشى مع متطلبات القانون الدولي".

تحفظات
وتتعلق التحفظات الإسرائيلية بالانتقاد الصريح الذي وجهه التقرير لما وصفه بالاستخدام "المفرط واللامنطقي للقوة" من جانب جيشها الذي داهم الأسطول، مما أسفر عن قتل تسعة من ركاب سفينة مافي مرمرة.

وقال التقرير "كان قرار إسرائيل السيطرة على السفن بهذه القوة وعلى مسافة كبيرة من نطاق الحصار ودون تحذير مسبق، مفرطا ولا منطقيا".

وقال المسؤول الإسرائيلي إنه "يتعين على البلدين (إسرائيل وتركيا) القبول بنتائج التقرير وتوصياته".

ودعا التحقيق إسرائيل إلى التعبير عن أسفها إزاء المداهمة فضلا عن دفع تعويضات لأسر الأتراك الثمانية والأميركي من أصل تركي الذين قتلوا في المداهمة، إضافة إلى دفع تعويضات للمصابين.

ترحيب فلسطيني
في هذه الأثناء رحبت فصائل فلسطينية بقرار تركيا تعليق اتفاقاتها العسكرية مع إسرائيل وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السكرتير الثاني.

واعتبر المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سامي أبو زهري القرار التركي "ردا طبيعيا على الجريمة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية وإصرار الاحتلال على رفض رفع الحصار عن غزة".

كما رحبت حركة المقاومة الشعبية بقرار تركيا، وقال المتحدث باسم الحركة خالد الأزبط "إن هذا ما عهدناه من تركيا التي أكدت وقوفها الدائم إلى جانب حقوق شعبنا الفلسطيني في كل المواقف والتي تعتبر اليوم الحليف الأول للشعب الفلسطيني في ظل المتغيرات القائمة في المنطقة".

من جهتها رحبت حركة "أنصار المجاهدين" وجناحها العسكري "كتائب المجاهدين" بالقرار التركي، وقالت في بيان "نحيي موقف تركيا حكومة وشعبا على مواقفهم الداعمة لفلسطين وقضيتها العادلة"، داعية تركيا إلى "تصعيد مواقفها المشرفة وصولا إلى إنهاء العلاقات مع الاحتلال".