فزاعه
طبعا الاعلام واجع دماغنا ليل ونهار بفزاعه الحدود الشرعيه كأن خلاص خلصنا كل مشاكل مصر وخايفين قوى على الحرامى ايده تقطع مايتحرق الحرامى اسيبكم مع المقاله المبسطه جدا والعاقله جدا لكاتبنا فهمى هويدي والاهم ان هو ده شرعنا وشرع رب العالمين لازم يبقى كلام عاقل وصح فى نفس الوقت


صحيفة السبيل الاردنيه السبت 18 جمادي الاخره 1432 – 21 مايو 2011
حكاية الحدود – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_21.html
إثارة موضوع تطبيق الحدود الشرعية في الإعلام المصري هذه الأيام لا تفسير له إلا بأحد أمرين:
إما خبث القصد أو قلة العلم،
والأول أسوأ من الثاني باعتبار أن سوء النية مبيَّت فيه.

ذلك أن قارئ الصحف المصرية يلمح في الأسابيع الأخيرة على الأقل إشارات واضحة تضع الفكرة على ألسنة بعض المنتمين إلى التيار الإسلامي.
من قبيل ما قرأناه في إحدى الصحف «المستقلة» صحيفة يوم 11/5 عن أن عددا من قيادات التيارات الإسلامية «كشفوا عن أن التحالف بينهم في الفترة الأخيرة، رغم تباين مرجعياتهم الفكرية، هدفه إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الحدود».

ولم تكن تلك هي الإشارة الوحيدة بطبيعة الحال، ولكنها الأحدث في سلسلة الإشارات المماثلة. وإذا أخذتها نموذجا فستدرك أننا بصدد صياغة «مفخخة» لم تستدع فقط فكرة إقامة الدولة الإسلامية وإقامة الحدود، ولكنها اعتبرت ذلك هدفا اجتمعت عليه مختلف التيارات الإسلامية في «تحالف» جديد عقد بينها.

وحين حاولت التثبت من هذه المعلومات فإنني رجعت إلى الذين وردت أسماؤهم في الخبر المنشور، وفي مقدمتهم الأستاذ صبحى صالح عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان، فقال لي إن الكلام جزء من الدسائس الإعلامية التي تروج هذه الأيام لأسباب مفهومة. حيث لا يوجد ما يمكن أن يسمى «تحالف» بين التجمعات الإسلامية، وإن كان من الطبيعى أن تجري اتصالات معها، شأنها في ذلك شأن مختلف الجماعات الموجودة على الساحة.

ووصف تلك الاتصالات بأنها «تحالف» يراد به وضع الجميع في سلة واحدة لتعميم الإدانة والاتهام عليهم، خصوصا في الأجواء الراهنة التي تنسب فيها جميع الأفعال الشريرة الحاصلة في البلد إلى التيار الإسلامي.

أضاف أن أحدا لم يشر إلى مسألة تطبيق الحدود في أى سياق ــ ولا تفسير لذكرها في الخبر المنشور سوى أنه من قبيل التخويف والترويع.
أما إقامة الدولة الإسلامية فمن البديهي أن تكون هاجسا يشغل بال كل المنسوبين إلى المشروع الإسلامي. ذلك أنه إذا كان من حق الليبراليين والاشتراكيين والقوميين أن يتطلع كل منهم لإقامة مشروعه، فلماذا ينكر ذلك على الإسلاميين؟

ليس في نيتي في اللحظة الراهنة مناقشة هذا الموضوع الذي لي فيه كلام فصلته في كتاب «للإسلام والديمقراطية» الذي صدر في عام 1993،
لكني أستأذن في استطراد سريع أنوه فيه إلى رأي سجلته في الكتاب خلاصته أنني أنتمي إلى من يقولون بأنه على من يريد أن يقيم الدولة الإسلامية حقا، فعليه أن يدخل إليها من باب الدفاع عن الحرية والديمقراطية بحيث تصبح تلك مرحلة التأسيس التي تتيح للناس أن يحددوا خياراتهم الحقيقية، من خلال التصويت الحر على مشروع الدولة الذي ينحازون إليه.

في موضوع الحدود الشرعية لدي نقطتان،
الأولى أن إبرازها في وسائل الإعلام هذه الأيام بالذات لا يمكن فصله عن الجدل الدائر حول موضوع الدولة الدينية أو المدنية، ولا يحتاج المرء إلى جهد لكي يدرك أن الأمر ليس بريئا بأي حال.
وأننا بصدد فزّاعة جديدة استدعت من مستودع الفزاعات الذي يبدو أن معينه لا ينضب والخبث في هذا الحال أكبر، ذلك أن بعض الممارسات التي تخوف الناس تنسب في العادة إلى الجماعات بذاتها فتنفر الناس منهم. لكن التخويف من الحدود يوجه السهم إلى الشريعة ذاتها وليس إلى فصيل أخطأ أو أصاب في فهم التعاليم.

النقطة الثانية أن الربط بين الإسلام دين الحدود موقف استشراقي يختلط فيه الخبث مع الجهل. إذ في حين ينص القرآن صراحة على أن الله يأمر بالعدل، فإننا لا نستطيع أن نفترض البراءة فيمن يختزل الإسلام في مجرد تطبيق بالحدود، التي هي من آخر ما نزل من آيات القرآن، علما بأن البحث الجاد في شأنها يبين ثلاثة أمور:

الأول أنها لا تطبق إلا إذا بطلت كل الذرائع التي تحول بين الناس وبين الانحراف. ومعروفة قصة تعليق تطبيق حد السرقة في عام المجاعة، كما أن الفقهاء اشترطوا لإعمال الحد أن يلجأ المرء إلى السرقة مثلا رغم توفر كل احتياجاته الأساسية.

الثاني أن الشارع حدد شروطا تكاد تكون تعجيزية لتنزيلها على الواقع. حتى قال بعض الفقاء إنه أريد بها الإنذار والتخويف من الانحراف وليس التطبيق الحرفي.

الأمر الثالث يدلل على سابقة لأن بعض القضاة كانوا يحثون المتهمين على عدم الاعتراف بالجرم لكي لا يطبق عليهم الحد. فكان الواحد منهم يسأل المتهم مثلا:
هل سرقت؟ ثم ينصحه قائلا: قل لا
ــ كما تذكر كتب السيرة أن رجلا توجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام واعترف أمامه بالزنى فقال له النبي: هلّا سترتها بثوبك؟

إن أسوأ ما في تلك التجاذبات ليس فقط أنها تسعى إلى تخويف الناس من الإسلام وأهله، وإنما أنها أيضا تصرفهم عن الانشغال بتحديات اللحظة الراهنة التي ينبغي أن يتصدوا لها ويستنفروا لأجلها.